موعد زفاف *** بقلم غالب سالم عيا صره
تحت غبار ناعم الملمس حريري وفي موقد الحياة يرقد ركام من العادات والتقاليد والعرف نداعبها نتلذذ بلقائها نربي حبنا المجنون ببقائها صورة مثالية ورونق حياة .. شباب في سكونها وحركتها الصبيانية حلم يراود ذهن الاباء والأمهات يتغلغل بين الحس والنفس نذوب بإحساسها المرهف تقيد حياتنا الطبيعية الحرة عبر مراحل العمر تندفع وتتدفق كالماء المتفجر ينساب حوله الخضرة والبهاء .. بمغزله نسج الارض بساطا اخضرا فيها الراحة والاستجمام صورة مشرقة في جوفها ثورة بركان بؤس وفقر ..وحاجة تحرق الكبرياء..تحطم الكرامة وعزة النفس التي لا يرغب بفقدها هم جاثم على عاتقه يرهقه يكبر ويزيد ثقلا باقتراب ميعاد زاوج ابنته .. يومين الى ثلاثة ترتقي درجات مسرح العروس تجلس على الكرسي بثوبها الابيض وطرحتها ..اضاءة ملونة تحوطها .. حولها امواج نسوة وأطفال وفتيات ..
يراقصن الحان الغناء .. يعقدن حلقات الدبكة دوائر متصلة متداخلة ..ومن خلال الموج يشق العريس طريقه سابحا ليقف جنب عروسه و صوت الزغاريد والغناء تتعالى بعد ان سبقه والد العروس وإخوتها يلبسونها الذهب ويضعوا في محفظتها ما جادة انفسهم من مال ..لحظة فرح وسرور حطت ظلها الذي جاء كئيبا مؤلما هذه المرة بين عسر وضنك وضيق يد الاب .. الذي لا يجد ما يقدمه لابنته العروس التي جلست تنتظر مجيئه .. يصافحها مهنئا ثم يقدم لها عادة الناس .. قطعة من ذهب او أي شيء يليق ويثلج صدرها ويرسم البسمة على وجها .. ويجعلها تطير فرحا امام امواج النسوة اللاتي ينتظرن المشهد تفصيلا ووصفا ..عادة يعبر الناس فيها عن سرورهم وفرحهم وهي عنوان الرجولة بأبهى وأجمل حلة من الكرامة وشموخ للأهل والعروس لإتمام مراسم الفرح والبهجة على عادتها
قصد كل معارفه باحثا عن قرض مالي يفك كربه .. يعيد البسمة الى وجه الشاحب الذي يميل الى السواد اكثر فأكثر كلما اقترب موعد زفاف ابنته وهو لا يزال يفقد المال الذي يسعفه لشراء قطة ذهبية يقدمها لابنته يوم زفافها طرق باب بعد باب اقارب .. ومعارف .. جمعيات .. بنوك ثم عاد بعد رحلة الترحم والاستعطاف يحمل في قلبه غصة من جنى الانكسار والذل ونشر عوزه وفقره على الناس وازداد الهم الذي ما فتئ يتمدد بساحة صدره يعتصر ذاته وكبرياءه
فرح قادم بزفاف ابنته وسرور يبتعد ويهجر نفسه اذا لم يستطع تقديم شيئا لابنته التي تجلس على كرسيها العرائسي تنتظر لحظة قدومه ليضع طوقا في عنقها ويأخذ بيدها يركبها في موكب لتذهب عالية النفس فخورة بما نالته من حفاوة في حفلها المهيب من ابيها وإخوتها وعمومتها اثر وإحساس لا ينسى وحديث الشارع والناس ان العروس قدم لها كذا وكذا ...
كانت تلك الوقائع والأفكار تجول في خاطره وتقض مضجعه راح يبحث عن فرصة اخيرة تحقق مراده لتبقى صورته يانعة امام الاخرين ..تحفظ مكانته .. تعزز شموخ العروس واعتزازها بنفسها وأهلها .. تحميها من كلام لا يرحم فالناس لا يعترفون إلا بما تعودوا وبين تألم وانشراح قاده فكره الى ان يذهب لإحدى المؤسسات العامة يطلبها قرضا ينقذه وابنته من موقف يراه الناس نقصا ..نهض مبكرا وانطلق الى حيث خطط دخل المكان يشد خطاه تارة ويبطئها اخرى .. سلم وجلس .. لا يعرف كيف يقول وماذا يقول ومن اين يبدأ .. وعلى استحياء وبصوت خافت تقدم الى المسؤول همس في اذنه .. اريد ان اقترض مبلغا من المال فزفاف ابنتي يقترب وأنا بحاجة ان اشتري لها ولو دبلة فموعد زفافها بعد يومين وسكت .. فأشار عليه ان ينتظر المدير صاحب القرار .
وفي غضون ساعة حظي بمقابلة المدير شرح عن حاله وحاجته للمال فوافق على منحه قرضا بعد خمسة ايام .. تكدر فوق كدره وانسحب يجر الانكسار وصورة الذل تغطي ملامح الفرح انسحب من المكتب وهاتفه لا يتوقف .. زوجة تتصل مرة تلو مرة لشراء قطعة الذهب اغلق هاتفه وخرج يخفي ثورة الانفجار وعصفها يتمنى ان يدمر كل عادة وعرف تكشف المستور .
ازفت ساعة الزفاف .. قلب رقيق يحنو .. تقدم بكبرياء وشموخ عانق ابنته تناول مصحفا ووضعه في يدها اليمنى ثم سار بها الى سيارتها التي تنتظرها عبر موكب مهيب والزغاريد تعلو ودموع الفرح تنساب من كل الحضور وهم يتقدموا الى ابيها بالأموال هدية وعطاء ..
