العنقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ادارة مؤتمرات ندوات تنظيم مهرجانات فنية وعقد دروات في مختلف المجالات الحياتية الانسانية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صوت ينادي *** غالب سالم عياصره

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 152
تاريخ التسجيل : 06/02/2012

صوت ينادي *** غالب سالم عياصره Empty
مُساهمةموضوع: صوت ينادي *** غالب سالم عياصره   صوت ينادي *** غالب سالم عياصره Emptyالسبت سبتمبر 15, 2012 1:12 am

صوت ينادي *** غالب سالم عياصره


راح يطحن صلصالا بيديه ، يدقه بمطرقة من حديد كلما استعصى وخشن ، حتى تصغر حباته ، فيحملها براحة كفه ويضعها تحت حجر الطاحونة ، يدور عليها دورات متعاقبة فتخرج متناثرة الاجزاء متباعدة ناعمة أكثر فأكثر ، تتساقط على قطعة من الجلد وضعت تحتها ، يلم بعضها الى بعض ، يضع اجزائها في منديل يلفها كصرة صغيرة ، ويقوم بضغطها بكلتا يديه ، فتنساب من بين مسامات قطعة القماش دقيقا ناعما وغبارا متطايرا ، وما تبقى من حبات ؛ يعيده الى حجر الطاحونة من جديد ،ويقوم بدرسه وتنخيله بنفس الطريقة كل لحظة .

حبات تراب الارض تمضي ، وهو مُكِب على العمل ، يُكسر ويَجرش ويرقق ويُنَعم ثم يجمع، تماما مثل عمره يُكسّر ويطحن وتسقط اجزاءه فوق بساط الحياة ، يوما بعد يوم وسنة بعد سنة ، فلا يتبقى من عمره سوى الدقائق والثواني ، يحاول ان يوقف عجلة طاحونة الحياة عن العمل فلا يستطيع ، فالقدير يديرها .. يَسير بها لتعود الى منبتها ومنشئها ، وتنضم الى كوكبة من رحلوا وتحولوا ترابا ، انتشر وانتثر بين يدي الخزافين ، فلا تتوقف اصابعهم عن العجن ولا صوت ضرباتهم العنيفة فوق كل قطعة سجيت على الطاولة .. بسطها كما يريد .. حملها من اطرافها ومضى يصنع قوارير وأدوات وتماثيل مختلفة الاشكال والأحجام ، يودعها الى بيت نار زفيرها يعانق عنق الفرن .

وجلس على كرسيه يعانق فنجان قهوته ، يقبله حينا بعد حين ، ويمتص زفرات سيجارة بين اصابعه تترنح تعذب بالنار تحترق يتلذذ بزيادة حرقها بمص انفاسها ، يصير دخانها سحابة خفيفة تملأ فضاء غرفته ، التي تكوم بها مئات الاواني والتماثيل كل ينتظر مصيره المحتوم بالحرق داخل ذلك الفرن اللعين ، آنية وتماثل مصفوفة الى جانب بعضها واقفة ،تحملق بذلك الانسان الجالس على كرسيه كأنها ترجوه .. تنظر طريقا للهرب ، لكنها لا تملك روحا كي تهرب وتترك المكان ..

تتمنى ان تعود الى حياتها التي كانت .. انسانا .. يتحرك يعشق يلهو ويلعب بالتراب ، يصنع ما شاء الله له ان يصنع ، يضعه في قلب النيران .. انها تنطق بصمت وتحس بان يديها اقترفت في الحياة كثيرا من المعاصي والذنوب والآثام ، وهي تقف لتحاسب فيشهد عليها ضميرها الغائب وحبات ترابها ..

خف من مكانه الى بيت النار ينظر حرارته ، ارتفعت النيران وازرقت فاتجه الى تلك القطع الواقفة ، وبدأ يدخلها في بيت النار قطعة بعد قطعة ويضعها في صفوف ، حتى جاء الى اخرها تمثال لأحد اباطرة القرن الماضي ،على رأسه تاج مزخرف ، وفي يده مطرقة وفي الاخرى سيف في رأسه شعلة نار .

احتضنه بكلتي يديه ، ضمه الى صدره بقوة حتى لا يسقط ، فهو اثمن ما صنعت يداه وأجملها يروي قصة الحكم بالنار والحديد .. حمله وسار نحو الفرن ، وقد ازفت الساعة واقترب الفجر ، وراح التعب يتغلغل في اوصاله ، وصوت المؤذن يصدح في المكان ، ينادي "حي على الصلاة حي على الفلاح " وهو لا يعي صوتا ولا يدرك نداء ، تمر الكلمات من اذنه تمخرها ، ثم تتابع سيرها لتختفي في ظلام الليل ، دون ان يعيرها سمعا ولا يلقي لها بالا .

وانحنى بتمثاله الى فوهة الفرن ، وأزاح الغطاء ودلّى التمثال الى جوار غيره من الانية التي وضعها ، وهي على وشك ان ينضج جلدها بعد ان اكتسب اللون الاحمر القاني.

لهب ووهج يحرق كل شيء لسعة قوية وصرخة دوت في المكان ، شعر بان جسده يحترق مع التمثال ، اهتز واندفع بسرعة خارج الغرفة ، لا يعي سوى صوت صاح ، لجت به جدران الفرن واخترق اذني الرجل ، يشقها شقا كأنه سهم حارق ينادي " تلطف فاني تراب انسان مثلك كنت ، وستكون مثلي يوما ما ، فلا تضيّع العمر كما ضاع مني ، وأنت لست اخر من صنع ترابي تمثالا ، فكم تَحطمت وتحولت من تراب الى تراب ، بعد ان صُنعت .. فاصنع المعروف في حياتك ، وازرع الخير لنجاتك ، وتذكر انك اليوم تَصنع من تراب اجساد الناس ما تشاء ، وغدا يأتي من يصنع من تراب جسدك مثلما صنعت ، فاجعل شريان الحياة ينبض بماء الضمير يعجنها يزينها بالرفق " .

فسقط التمثال من يده وارتطم مع غيره فتحطم ، وانتاب الرجل الخوف وانطلق الى الماء يغتسل ويتوضأ ، ويَخف الوطء على التراب عسى ان تكون صاحبته ناعمة !!

فما زال يسير حتى وصل الى مصلى قريب ، كبر خلف الامام وركع وسجد بعد طول غياب ، ونزل شيب العتاب ، لكن الصوت القادم من التراب ايقظه ... فثاب الى رشده وتاب .
http://www.alkaramaonline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=31944:2012-09-04-12-02-36&catid=105:2011-10-08-08-13-18
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://gale.jordanforum.net
 
صوت ينادي *** غالب سالم عياصره
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حب كاذب *** غالب سالم عياصره
» العنقاء الصحفي / غالب سالم عياصره
» تحت المقصلة *** بقلم غالب سالم عياصره
» خوفا من العار ***غالب سالم عياصره
» تحطم اللقاء *** غالب سالم عياصره

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العنقاء :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: