شهيدة دين الحق *** غالب عياصره
أيقظها منذ الصباح اخذ بيدها ومشى يقطع الارض سهلا وجبلا ، حافي القدمين ثيابه بالية رثة يكسوها التراب وكثير من الاوساخ ، كثيف الشعر الذي ترامى على كتفيه يشتهي المشط ان يلامس خصلات شعره المتلبد ، غمر الغبار وجهه وشعره .. عيناه غطى بياضها حمرة تقاسم سوادهن .. يجر طفلته التي بلغت السادسة من العمر .. لا تعرف مصيرها ولا تدري الى اين هي ذاهبة ؟ .. جسدها غض وشعرها متطاير وقدميها الصغيرتان اعتادتا المشي على رمال الصحراء وهضابها منذ اول خطوة خطتها على الارض .. تسير الى جانبه تلاحق خطواتها خطواته في مسارات ترابية مختلفة الاتجاهات كل يؤدي الى مكان .. لكن اتجاهها ما يزال مجهولا ..
سلك العديد من الممرات الترابية عبر الصحراء ، الى ان اطل على مشارف بيوت من الطين يتخللها بيوت من الشْعر تمعنت عينياه تلك البيوت ، تبحث عن ساحات البيع والشراء .. حركة الناس يركبون ابلا وخيولا وآخرون يسيرون على اقدامهم مثله يتجهون الى ساحة كبيرة غصت بالبشر والجمال والماشية .. غبار تثيره حركة الناس والماشية وغيرها كخيمة غطت على المكان والناس كأمواج تلف بعضها بعضا
شد خطواته واستبشر خيرا ، لقد وصل في وقت ذروة البيع .. انها عشرات من الامتار ويكون في ساحة البيع يقبض الثمن ثم يعود قبل الغروب .. دخل الى الساحة والى جانبه طفلته .. راح كل انسان يبحث عن حاجته .. فمن يريد رقيقا يفتش في وجوه الناس المعروضة للبيع يتأكد من سلامة بدنها وصحتها .. معافاة من أي اعاقة عمرها عمر الورود لحظة ايناعه والجسد قوي البنية .. وما هي إلا لحظات حتى حظيت تلك الطفلة بمن يسومها .. وبين اخذ وعطاء .. ترك يدها وسلمها الى ذلك الرجل وانسحب من حياتها وهي تصرخ تنادي .. تبكي .. تريد ان تعود معه الى اخوتها لكن سمعه اصم وقلبه تحجر ولسانه ابكم أدار ظهره وانطلق في طريقه من حيث اتى ..
بكت وصرخت لكنها استسلمت لمن دفع ثمنها ، حيث قيد يديها ورجليها حتى لا تهرب انقضى السوق وراح كل نحو ناحية .. وجرها ذلك التاجر ووضعها مع امتعته وسار بها ، رباها كما يشاء ، تطيعه في كل شيء ، عبده مملوكة الارادة مسلوبة الحرية والتفكير ترى ما يرى سيدها وتقول ما يريد ان يسمع ..
هكذا عاشت حياتها منذ ان قطفت من سوق البيع ، الى ان اشرقت الارض بنور غير نور الشمس ، نور الهداية والرحمة .. صوت يلامس مشاعرها .. قلبها يهواه يذوب في حب سماعه انه عشق الرسالة والنبوة والتوحيد ، صدى كلمات التوحيد ازالت الم السنين الماضيات ، حركت مشاعر الانسانية والحرية والحياة .. كلمات إلهيه سامية تدعوها لتعمر قلبها ، تصفيه من الاوثان وعبادة العباد الى رب العباد .. قررت ان تلتقي بالرجل المؤمن الذي هداها الى هذا الدين .. تسللت خلسة واستجمعت قواها ووقفت تبايعه على ان تكون موحدة لله
عز وجل لا تعبد سواه .. فما مسها في حياتها من المحن ، منحها العزم والقوة والصبر وتحمل مزيد من الالم .
فانكفأت في غفلة سيدها تقيم دينها وتعظم رب الكون ، وتحتقر حجارتهم وأصنامهم وأموالهم في نفسها وقلبها .
مضت على حالها متخفية تعبد إله الكون سرا بعيدا عن عين سيدها ، الى ان جاءت اراد ة الله بأن يحق الحق ويمتحن قلوب قوم مؤمنين .. كُشف امر اسلامها وذاع سرها ، وجاءت لحظة الصبر والعزيمة والقوة ، فدخل الى بيتها صفعها صفعة ادمت وجهها ، ثم انهال بالسوط ضربا كي ترجع عن لا اله إلا الله .. كلمة التوحيد ، لكنها ابت واستبسلت .. راح يعذبها ويتفنن في عذابها ليل نهار وهي صابرة محتسبة امرها الى الله ، الى ان اغتاظ واستشاط غضبا .. خنقه صوت التوحيد فاستل خنجره وانهى حياتها ..
رفرفت روحها الطاهرة الى السماء العلا ، وجسدها ما يزال يقطر دم البطولة والانتصار ، فكانت شهيدة لنصرة دين الحق ورسالة الاسلام .
http://www.alkaramaonline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=29584:2012-08-07-08-59-17&catid=105:2011-10-08-08-13-18
