كثيرة الاسماء التي تعلو المباني الفخمة ، جميلة المنظر قليلة المحضر والعطاء ، هياكل هرمية ترقد على جسد الوطن تضم رفات المومياء التي عفا عليها الزمن ،فغاب نجمها فلم يبقى منه سوى اسم علق على واجهة لمبنى يقول هنا ترق نقابة ماتت في المهد قبل ميلادها ، فعجزت ان تكون شمعة طريق للخريجين من طلبة الصحافة الاعلام في كل الجامعات وان تحمل همهم وتقوي جذعهم ، فلفت نفسها بقانون يحاكي طموح صغار الحياة ،الذين عجزوا عن فك عرى الثقافة والانفتاح لقصر نظرهم وإدراكهم ، ان العالم القادم قرية صغيرة تعدت حدود الارض والزمان ، والتقت وتلاحمت وامتزجت في الابداع والعلم ، فتجاهلت كل جديد لتحفظ كراس متهرئة وعروش اعلامية متساقطة ، لم تقم يوما على صيانتها وتعمل على تقويتها بدم جديد من حملة الشهادات العلمية الصحافية من الجامعات المختلفة تدفقت من تلك المنارات الشامخة .
فوجدت ان الطريق قد سد امام سيرها وان دمها حبس في معين الذين ورثوا مهنة الصحافة عن شيوخ الكتاتيب رتعوا واحتكروا سحر الكلمة لأنفسهم بصياغة قانونا يخدم فكرهم ويحقق مصالحهم ويقوي نفوذهم ويسير حسب رغبتهم بان تكون مهنة الصحافة تمارس من خلال الابتزاز وسرقة الجهد والاستعلاء على الاخرين وان يكونوا هم اصحاب القول والفصل رغم انهم لا يملكون سوى خبرة تحجرت وشاخت وتقوقع ضمن قانون نقابي فكان حصنا يحمي قوقعة من ان تتكسر وتتعرى فينكشف الضعف وقلة الحيلة .
وتمض عقود من السنين ولا زالت نقابة الصحفيين في مكانها تراوح ، غير آبه بان الزمن تغير ،وان الصحيفةَ المطبوعةَ اصبحت تئن وتتهاوى الى مقبرة الزمن الغابر ، فلم يعد الخبر خبرها ولا الكلمة كلمتها ، فَلِمَ يصر قانون النقابة ان يمارس الصحفي تدريبه في تلك المؤسسات المتهاوية ؟ ! التي تحتاج كل الى الف سيبويه ليدقق كتاباتها وأخبارها الميتة التي تسير في جنائز مُصدرها .
ومع ذلك ما زالت النقابة تشترط على خريج الصحافة والإعلام ان يتدرب على يد شيخ الكتاتيب الذي مارس واكتسب مهنة الصحافة بالخبرة ، حتى وان تخرج الطالب من افضل جامعة تدرس الصحافة والإعلام ، فهي لا تعترف بما تقدمه الجامعات لخريجيها من علم ومعرفة وخبرة تقوم على الدقة والموضوعية والمصداقية .
فهذه الجامعات التي تحتضن كليات الصحافة تتفق في خاصية واحدة هي الصدق ثم العلم ثم العمل ، فلن تستطيع ان تعلم الابتزاز والاستعطاف والتلميع والكذب والنفاق والاستمالة ، الى غير ذلك من علوم اهل الصحافة بالخبرة . فليس الصحفي من نال العضوية ، وان نص قانون جائر كقانون نقابة الصحفيين على ذلك ، فالصحافة التي تقوم على الخبرة ليست صحافة متطورة .
فالتعلم مجال الصحفي وأما الذي لا يملك حتى الشهادة الثانوية ويعمل في مجال الصحافة بالتوارث يجد قانون نقابة الصحفيين تفصيلا رائعا على قدره ومقاسه فكتب وينشر ثم يقول بني جلدة " صحافي سبق عصره " حتى وان كان هراء في هراء
ان الصحافة يا نقابة الصحفيين فن وعلم وتعليم وتعلم وتطور ، فليس خبرة شيخ الكتاتيب تكفي وتغني عن خريجي الصحافة والإعلام من كافة جامعاتنا المميزة ، فهم اهل القلم شئتم ام ابيتم ، وقادرون على حمل المسؤولية ، فأفسحوا الطريق ولا تضعوا العراقيل بينهم ، وبين مهنتهم التي اختاروا .
فانتم من يلجم الصحافة والصحفيين ، وانتم من يكبت الحرية ، ونقابتكم هي العقبة الكأداء في طريقهم بما صنعت ووضعت ، وصاغت اقلامكم نصوصا تعرقل عملهم وتمنع اقلامهم ان تكون منارات دجى للحرية والإنسانية .
كي تبقى الصحافة حكرا على الذين ورثوها بالخبرة ، وتدرجوا بها من بائع جريدة على شارع ، الى قارئ يتسلى عبر وقته الطويل وهو لا يبتاع ويبيع ثم تحول كاتب ورجل نقابة اسبلت عليه وشاح العضوية التي لا يستحقها .
كثيرة هي القبور التي تحمل اسماء عظماء في مقابرنا ، منذ ان ثوو في مدافنهم لا يتحركون ولا يعملون ولا ينجزون ولا يتغيرون ، حالهم كحال نقابات كثيرة تحمل اسماء كبيرة لكنها ميتة ترقد في مكانها ليقرأ كل من مر الطريق عليها الفاتحة ويؤخذ الموعظة .
