حل الظلام زمن العلم وانتشاره حيث تنوعت العلوم ومسمياتها وصنفت وتشعبت فغدى حال بعض الناس واستيعابها وفهمها للعلوم " كالـ ... يحمل اسفار " مع اعتذاري فلا يليق بالمتعلم الناضج ان يسعى الى النيل من تماسك المجتمع وبنائه وقوته فينفث سمومه ليصيب وينال قيمه وسلوكه بعد ان انزاح عن خط الاستقامة وانحنى ينشر البغضاء ويبث الشحناء ويئد النهضة التي اساسها التماسك الاجتماعي والنفسي والتعاون والمودة والرحمة في المجتمع الذي لا يقبل التخبط والسير خلف عَالِم شَدّ الخطوة خلف من لا يعرف فك الاحرف وقرأتها ولا يتقن فن الحوار .
فكيف يكون للجهالة ان تسود الناس وتسوسهم بالشعارات ؟ وقد رضيت ان تركض خلف الشعارات دون وعي منها ، فهي كمن تلقى ضربة احدى الضباع فراح يطلبه حثيثا ... حتى يدخل مدخله ويلج جحره فلا يصحو إلا ان يتحطم جسده ويجد انياب وحش مفترس ينهش احشائه لا أمام مصلح او صاحب مبدأ .
هذه حالة المجتمع الذي يرضى الانقسام الى منادي بالنهضة والإصلاح وآخر معارض لا يريد التغيير ولا النهضة ولا الحياة المثلى وثالث صامت لا يكترث لا بالعلم ولا بغيره " همج " لا ينتمي الى عَالِم ولا الى مُتعلم .
ويبقى الزمن القاسي يحتضن فئات ، تسير عبر الازقة والشوارع وتنتقل من مكان لا خر ، تسوغ السُم على انه سر الحياة ، وتجعل الموت كرامة والسجن بطولة ، والإمعان بالسب والشتم للرموز شجاعة ،وجعلت الصراخ صوتا لنهضة قادمة تملأ الارض وسمائها .
فنأت بين الناس فكرا وأرضا وقلوبا تفرقت لا تتفق ولا ترضى بان نحتوي بضعنا بعضا ونضع اصابعنا على الجراح نتشابك ونتحد ليكون لنا نهضة وبناء وحضارة تقوم على الخلق وحسن المعاملة والمجادلة بالتي هي احسن وان تكون نبضات ونفحات ديننا الاسلامي روحها خلقا قويما يسمو بنا لنرقى الى الانسانية بكل شفافية ونبل .
فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، لم يقف يوما من الايام ليشتم ايا من المشركين ، ولم يفعل صحابة رسول الله ذلك ، بل كانوا اشد حبا لبعضهم وهم لا يظلمون من خالفهم عقيدة او مشورة ، وإنما كانوا مجتمعا متحابا متآلفا لا يقبل التقسيم والاختلاف بين فئاته ، حتى المنافقة المفسدة بالأرض التي كانت تدعي الاسلام وهي غير الذي تقول ، وتزيد نشاطا وضغطا على المسلمين ايام الغزوات ، ومع ذلك لم نجد رسولنا الكريم تعرض لهم ، بل عمل على احتوائهم حتى يحافظ على تماسك المجتمع الاسلامي ويلم الشمل ويجمع الكلمة .
فيوم مات زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول وهو منافق غير عادي وقف رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وصلى عليه وخلع عباءته ووضعها عليه فاستهجن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ هذا العمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاتب عمر رسولنا الكريم قائلا " "يا رسول الله ألم يقل الله سبحانه وتعالى [اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ...] (التوبة : 80)؟" فقال له النبي : "سأزيد عن السبعين ". فعمر لا يعجبه ذلك اذ يرى أن النبي يساوي بين المنافقين والمؤمنين فقال له النبي : " يا عمر، والله لا ينفعه عباءتي إن كفنته فيها إن كان الله غاضب عليه ولكن وراءه قبيلة وقوم فأردت أن أؤلف قلوب قومه ، أما هو فقد مات " فكم نحن بحاجة الى هذه الحكمة التي أراد رسولنا صلى الله عليه وسلم ان يعلمنا اياها وهي كيف نلم شمل من تجاوز وانحاز الى غير الوطن وقيادته وشعبه بدون شروخ ؟ وان نعاملهم بالحسنى وإن كان كثير منهم لا يستحق.
فنحن بحاجة الى ان ننشر ثقافة لم الشمل في زمن قاس يشهد تمزيق الاسرة الواحدة بالتباعد والشحناء والتناحر.وهذه الثقافة تحتاج إلى الكثير من الأموال وحسن المعاملة كي نبعد ما يسمى ثقافة التفرقة . اذ ان النفوس الصغيرة لا يمكن أن تلم الشمل ومن السهل أن تَبْعُد وتقول : لا وتعبس . أما النفوس الكبيرة فهي التي تحتوي وتبتسم وتتغاضى عن الكثير .
ولكي ننهض من سباتنا العميق ، ونخرج من ردهات الظلام والاقتتال يجب علينا ان نتحلى بمكارم الاخلاق والابتسامة لمن يسيء ، وان نجعل صلة الرحم طريقنا ونجدد ايماننا بالله تعالي قولا وفعلا ، ليؤلف الله بين قلوبنا كما ألف قلوب صحابة رسول الله عليه افضل الصلاة والتسليم ، حيث قال سبحانه وتعالى : )لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ( ولننبذ الفرقة ونسعى الى لم شمل مجتمعنا .
