علاقة الملائكة بالله تعالى *** بقلم عبدالعظيم المحارمة
أمة الإسلام : هل الملائكة آلهةٌ تُعبدُ من دون الله, كما يعتقد بعض الناس؟ أم هل الملائكة بناتُ الله, كما قالت العرب في الجاهلية؟ كلا يا عباد الله, فالله جل وعلا يَرُدُ على كل هذه الإفتراءات الكاذبة, فقال تعالى : " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " الأنبياء 26-27. وقال تعالى : " وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ " الزخرف 19.
وقال تعالى : " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ " سبأ 40-41. فردَّ الله تعالى على الذين اتخذوا الملائكة آلهة, ورد على الذين قالوا : إن الملائكة هم بنات الله, وأثبت جل وعلا أنهم عبادٌ مكرمون, يعبدون الله ليلاً ونهاراً لا يفتُرون, لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون. إخوة الإسلام : ومن عبادة الملائكة لله تعالى: أولاً : التسبيح, فالملائكة يسبحون بحمد الله, ليلاً ونهاراً لا يفترون.
قال تعالى : " يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ " الأنبياء 20. وقال تعالى : "وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ "الزمر 75. وقال تعالى : " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ " غافر 7. وقال : " وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ " الرعد 13. والملائكة يفتخرون بأنهم من المسبحين, قال تعالى : " وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ " الصافات 165-166. والتسبيح هو أفضل الذكر, سُئُل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذكر أفضل؟ قال : " ما اصطفى الله لملائكته أولعباده : سبحان الله وبحمده " رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم " متفق عليه.
أمة الإسلام : الملائكة يسبحون باليل والنهار, ونحن مشغلون بالقيل والقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال, والغيبة والنميمة, فاتقوا الله تعالى, وأطيعوا أمره حيثُ قال " وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً " الأحزاب 42. وقال : " وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ " ق 40.
وقال : " وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ " الطور 49. ثانياً : السجود لله تعالى, يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذات يوم : " أتسمعون ما أسمع؟ " قالوا ما نسمع من شئ, فقال صلى الله عليه وسلم : " إني لَأَسمَعَ أطِيطَ السماء, وما تلام أن تَئِط, وما فيها موضع شبر إلا وعليه مَلَكٌ ساجدٌ أو قائم " صحيح رواه الطبراني الكبير. ونحن أمة الإسلام, نستكبر عن السجود لله تعالى, فتذكروا ذلك اليوم : " يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ " القلم 42-43.
" وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ " المرسلات 47-50. فيا من تركتم الصلاة, أما تخافون من يومٍ ترجعون فيه إلى الله؟ فيقال : " مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ " المدثر 42-43. أتدرون ما هي سقر, قال تعالى : " وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ" المدثر 27-30. سقر أعدها الله للمجرمين قال تعالى : " إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر" القمر 47-48.
ثالثاً : الإصطفاف, يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " مالي أراكم عزين؟ ألا تصفون كما تصف الملائكةُ عند ربها؟ " قالوا : يا رسول الله, وكيف تَصفُ الملائكة عِندَ رَبِها؟ قال : " يتمون الصفوف الأُوَل, ويتراصون في الصف " رواه مسلم. ونحن هذه الأيام, نزهدُ في الصفوفِ الأُوَل, وإذا دخلنا المسجد, جلسنا في آخر الصفوف حتى نتكأُ على الحائط. ويقول صلى الله عليه وسلم : " خير صفوف الرجال أولها, وشرُها أخِرُها " رواه مسلم. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوماً في مؤخر المسجد فقال لهم : " تقدموا فأتموا بي, وليأتم بكُم من بعدكم, ولا يزال قومٌ يتأخرون حتى يؤخرهم الله " رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال قومٌ يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله " صحيح لغيره رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول, ثم لم يجدوا إلا أن يَستَهِمُوا عليه, لاستَهَمُوا " متفق عليه. والإستهام هو الإقتراع. (شرح النووي على مسلم 4/158).
والملائكة يا عباد الله يتراصون في الصفوف, أما نحن فكما ترون كل شخصٍ يَصُف مكان اثنين فترى الصفوف فيها فجواتٍ كثيرة, فإياك يا عبد الله أن تَزهَدَ في سد الفرج في الصف من أجل أن تتوسع. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من وصل صفاً وصله الله, ومن قطع صفاً قطعه الله "صحيح رواه أبو داود والنسائي وأحمد.
رابعاً : ومن عبادة الملائكة لربها الحج, ولكنهم لا يحجون إلى البيت الحرام في الأرض بل يحجون إلى البيت المعمور في السماء, الذي أقسم الله به في كتابه فقال : " وَالْبَيْتِ الْمَعْمُور" الطور 4. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ثم رُفِعَ لي البيت المعمور, فقلت : يا جبريل ما هذا؟ قال : البيت المعمور, يدخله كلَّ يومٍ سبعون ألف مَلَكٍ, إذا خرجوا منه, لم يعودوا فيه آخر ما عليهم " متفق عليه.
والبيت المعمور في السماء السابعة, حيال الكعبة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لو خَرَّ - أي البيت المعمور- لخَرَّ عليها – أي على الكعبة " صحيح انظر السلسلة الصحيحة.
خامساً : ومن علاقة الملائكة بالله تعالى, أنه وكلهم بأعمال يقومون بها : - منهم من وكله الله تعالى بالنزول بالوحي إلى الرسل, ليبلغوا العباد دين الله تعالى وهو جبريل عليه السلام. قال تعالى : " وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ " الشعراء 192-195.
- ومنهم من وكله الله تعالى بحمل العرش, وهم حملة العرش, قال تعالى : " وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ " الحاقة 17. - ومنهم من وكله الله تعالى بالنفخ في الصور, وهو إسرافيل عليه السلام, يقول النبي صلى اله عليه وسلم : " كيف أنعم وصاحب الصور قد التَقَمَ الصور, وَحنى جَبهَتَهُ, وأصغى سمعهُ, ينتظر متى يُؤمَرُ " صحيح رواه أحمد.
- ومنهم من وكله الله تعالى بالنار, كمالك, قال تعالى : " وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ " الزخرف 78.
- ومنهم من وكله الله تعالى بالجنة, قال تعالى : " وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ " الزمر 73.
- ومنهم من وكله الله تعالى بتسجيل أعمال العباد, قال تعالى : " إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " ق 17-18.
- ومنهم من وكله الها تعالى بقبض أرواح العباد, وهو ملك الموت قال تعالى : " قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ " السجدة 11. - ومنهم من وكله الله تعالى بسؤال العباد في القبر, قال صلى الله عليه وسلم عن المؤمن وهو في القبر : " ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولانِ لهُ : من ربك؟ فيقول : ربي الله. فيقولان له : ما دينك؟ فيقول : دينيَ الإسلام. فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له : وما يدريك؟ فيقول : قرأتُ كتاب اللهِ فآمنتُ بهِ وصدقت..." صحيح رواه أبو داود.
- ومنهم من وكله الله بالجبال, ومنهم من وكله الله بالرياح, ومنهم من وكله الله بالمطر والنبات.
