الطبع .... والتطبع

بقلم الصحفي : غالب سالم عيا صره
لكل مخلوق على الأرض طبع يتصف به يلازمه يميزه عن غيره من الناس ، والإنسان حباه الله بفطرة سليمة نقية صافية وخلق رفيع ووهب له العقل ليتدبر صفات الله في الكون ويجلو الظلمة بالنور ويهتدي إلى طريق الخير ويترك طريق الشر مُخيرا لا مُسيرا ، وأمره الله تعالى بعبادته وطاعته والاستجابة إلى رسله . قال تعالى : "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم الروم( 30 )
وبما أن الفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق ، وهي تخص الإنسان بما خلق الله عليه جسداً وعقلاً ،فمثلا مشي الإنسان فطرة جسدية ، واستنتاج الأسباب والنتائج فطرة عقلية ، والفطرة في الإسلام سمحة فيها يُسْر ، وحتى يصبح المعنى واضحا فان الفطرة هي الطَّبِيعةُ: (الخَلِيقةُ والسَّجيّةُ التي جُبِلَ عليها الإِنسان .فهل الأخلاق طبيعة وسجية في المرء أم مهارة واكتساب ؟
إن الأخلاق قد يكون منها ما هو طبيعة وسجية في المرء . كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس ( إن فيك لخُلقين يحبهما الله : الحلم والأناة ) قال يا رسول الله , أهما خُلقان تخلقت بهما , أم جبلني الله عليهما , قال ( بل جبلك الله عليهما ) . فقال : الحمد لله الذي جبلني على خُلقين يحبهما ورسوله
(رواه أحمد وأبو داود.(

فالأخلاق إذا كانت طبعا فمن الصعب زوالها عن مكانها ،, ومن حُرم – أي حُرم الخلق عن سبيل الطبع – فإنه يمكنه أن يناله عن سبيل التطبع فحسن الخلق يكون في معاملة الخَلق والخالق .

وإذا أخذنا (الطبع) بالمَفهوم العلمي حالياً، وجدنا (الجين) ، مسؤول عن المظهر الخارجي للكائن الحي سواءٌ أكان جرثومةً، حشرةً، نبتةً، حيواناً أو إنساناً، ويلعب الدور الرئيس ،فيمنحه البنية الخارجية، و أيضاً (البنية الداخلية أو التحتية). و أثبتت الدراسات أن الجينات تلعب دوراً هاماً في تصرفات الفرد وحالته العقلية . فمثلاً نقصان مادة السيروتونين من الدماغ يُؤدي إلى الكآبة، لأنً السيروتونين يسيطر على مزاج الإنسان وعاطفته وتصرفاته في المجتمع. ويكبح الاعتداء والغضب، ، وينظم النوم ويُحسًنه، و يُحسًن النشاط والحيوية. وهو ويرتفع في النهار، أما الميلاتونين فيرتفع في الظلام. و يساعد على النوم المنتظَم، فلذا يكون كبار السن عادة أكثرَ أرقاً من الشباب، والشباب أكثر مرحاُ، إذا كانوا في ظروف متشابهة.
ونعود الى المقولة الشهيرة "الطبع يغلب التطبع" حيث يرى البعض أن الإنسان منذ مولده الى مماته لا يتغير ، وآخر يرى أن الإنسان يختار صفاته بنفسه حسب مقولة الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر"وجود الإنسان اسبق على ماهيته فالإنسان مسؤول عما هو عليه " ومعنى ذلك عدم وجود فرق بين الطبع والتطبع
و الثالث يجد أن الإنسان يولد بصفات معينة ويمكن تطويرها والتخلص من السيئ منها .
فهل ما نراه اليوم من اختلاف في طبائع البشر ينسجم مع تلك المقولة ، خاصة ونحن نشهد حالات مشابهة فبالأمس القريب كان أناس يكنون الولاء والانتماء للوطن ولقيادته ولأهله ، بل أكثر من ذلك ، كانوا يفدون مليكه بالروح والأهل والمال ، و هذا خلق المرء ومروءته ومن طبعه وسجيته ، فإذا بهم يتغيرون ويتلونون تلون الحرباء تبعا للحال ، تبدلت أخلاقهم ، وقيمهم ، ومبادئهم .. وانكشفت أنياب شرهم وحسدهم ونيران حقدهم وزال ثوب الوعظ للثعلب ورجع كل لأصله وطبعه... ينهش ويعض ..ويحاول أن يفترس .. مقامات عالية رفيعة كريمة الدوحة والمنبت حضنته ، في وطن عصي وشعب طيب خَلقا وخُلقا. . وصدق زهير بن أبى سلمى بقوله:
«ومهما تكن عند امرئ من خليقة... وإن خالها تخفى على الناس تعلم».
واختم مقالتي بقصة طريفة ـ حكى بعضهم قال : دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة .. إلى جانبها جرو ذئب .. وهى تبكى فقالت أتدرى ما هذا ؟
فقلت لا.. قالت هذا جرو ذئب أخذناه صغيرا وأدخلناه بيتنا وأرضعناه من لبن الشاة فلما كبر قتل الشاة كما ترى.. وأنشدت تقول
بَقَرْت شُوَيهـتى وفَجَعـَتْ قلبي *** وأنتَ لِشــاتـِنا إبـنٌ رَبيـبُ
غـُذيتَ بدرِها وَنـَشَـأت معَهَـــا *** فَمَنْ أنْبـاكَ أنّ أبَاك ذيبُ
إذاَ كانَ الطـباعُ طـِبـَاع ســــوُءٍ *** فَلاَ أدَبٌ يُفِيدُ ولاَ أدِيــبُ